recent
أخبار ساخنة

محمد صلاح: من نجريج إلى أنفيلد… حكاية فتى عبر حدود المعجزة

 

محمد صلاح: من نجريج إلى أنفيلد… حكاية فتى عبر حدود المعجزة



محمد صلاح: من نجريج إلى أنفيلد… حكاية فتى عبر حدود المعجزة



في قرية صغيرة تقع على ضفاف النيل، اسمها "نجريج"، لا توجد ملاعب مجهزة، ولا أكاديميات رياضية. هناك، يركض الأطفال حفاة في الطرق الترابية، ويصنعون الكرات من الخرق. وفي ذلك المكان الذي لا يعرف الكهرباء المستقرة ولا الرفاهية، وُلد حلم. لم يكن حلمًا كبيرًا في بدايته، كان فقط: "أن ألعب كرة قدم."

هذا الحلم الصغير كان يسكن قلب طفل يُدعى محمد صلاح حامد غالي طه، وُلِد يوم 15 يونيو سنة 1992، في بيت بسيط بين الحقول، وسط أسرة متواضعة. والده كان موظفًا بسيطًا، وأمه سيدة طيبة حنونة، وكانت العائلة تتقاسم الرغيف والرضا.

منذ نعومة أظافره، لم يكن صلاح مثل باقي الأطفال. لم يكن يكتفي باللعب في الحقل، بل كان يركض، يراوغ، يقلّد ما يراه على شاشة التلفاز القديمة، كان يحلم وهو مفتوح العينين. لم يكن لديه قميص ميسي أو رونالدو، لكنه رسم اسمه على تيشيرت أبيض، وركض به كأنه نجم عالمي.

كان والده يقطع به الطريق كل يوم إلى مدينة بسيون، ومن هناك يستقل حافلتين إلى طنطا، فقط ليتدرب في نادي "المقاولون العرب". الرحلة كانت تستغرق أربع ساعات يوميًا، ذهابًا وإيابًا، وفي بعض الأيام لم يكن لديهم ثمن التذكرة، فكان يعود صلاح سيرًا على الأقدام، حاملاً حزنه وتعبه وشغفه.

في طنطا، لم يكن أحد يتوقع أن هذا الفتى النحيف سيكون يومًا ما لاعبًا عالميًا. لكن المدربين لمسوا شيئًا مختلفًا فيه. لم تكن مهاراته فقط، بل إصراره، رغبته في التطور، قدرته على التعلّم بسرعة.

صعد صلاح في فئات المقاولون بسرعة، وفي سن 17 شارك لأول مرة في الدوري المصري الممتاز. لم يُسجّل، لكنه راوغ، ركض، وأربك دفاعات خصومه. بدأ الإعلام يتحدث عنه على استحياء، لكن عينه كانت على ما هو أبعد. لم يكن يريد فقط أن يكون نجمًا في مصر، بل في أوروبا.

في عام 2012، وبعد مباراة ودية بين منتخب مصر الأولمبي وسويسرا، تألق فيها صلاح وسجّل هدفًا، عرض عليه نادي بازل السويسري فرصة الاحتراف. كانت لحظة مفصلية. الشاب الذي لم يركب طائرة من قبل، أصبح الآن في أوروبا.

في سويسرا، واجه البرد، الغربة، واللغة، والأكل الغريب، لكنه لم ينهزم. في موسمه الأول، سجل أهدافًا حاسمة، وشارك في دوري الأبطال، وتألق ضد تشيلسي، وسجّل في شباكهم ذهابًا وإيابًا. لفت الأنظار، وتسابقت الأندية على ضمه.

وفي 2014، وقّع مع تشيلسي الإنجليزي، تحت قيادة جوزيه مورينيو. كان الحلم قد تحقق، لكنه كان بداية معركة أصعب. في تشيلسي، لم يلعب كثيرًا. جلس على الدكة، خرج من القائمة في مباريات كثيرة، وبدأ الشك يتسرّب إلى قلبه.

لكن صلاح لم يستسلم. حين قرر تشيلسي إعارته إلى نادي فيورنتينا الإيطالي، اعتبرها فرصة، لا نفيًا. وفي الكالتشيو، انفجر. تألق أمام يوفنتوس، سجل أهدافًا حاسمة، وأصبح حديث الصحافة الإيطالية.

ثم انتقل إلى روما، وهناك، في عاصمة الإمبراطورية القديمة، بنى إمبراطوريته الخاصة. سجل أكثر من 30 هدفًا في موسمين، وصنع مثلها، وأصبح من أفضل الأجنحة في أوروبا.

وفي صيف 2017، عاد إلى إنجلترا، لكن هذه المرة من أوسع الأبواب. وقّع مع ليفربول، في صفقة بلغت 42 مليون يورو. كثيرون شككوا، قالوا إنه لم ينجح في تشيلسي، فهل ينجح في أنفيلد؟

الرد جاء سريعًا. في موسمه الأول، حطم كل الأرقام. سجل 44 هدفًا في جميع البطولات، منها 32 هدفًا في الدوري الإنجليزي، وحصل على الحذاء الذهبي. أصبح معشوق الجماهير، وهتف له ملعب أنفيلد:
"Mo Salah, Mo Salah, running down the wing… Egyptian King!"

قاد ليفربول إلى نهائي دوري الأبطال ضد ريال مدريد في 2018، لكنه خرج مصابًا بعد تدخل قاسٍ من سيرجيو راموس. بكى صلاح، ليس ألمًا فقط، بل لأنه شعر أن الحلم يبتعد.

لكن في العام التالي، عاد أقوى. وقاد الفريق للنهائي مجددًا، وهذه المرة فازوا باللقب. سجل هدفًا في النهائي أمام توتنهام، ورفع الكأس وسط دموع الفخر، وأهدى اللقب إلى شعبه، وعائلته، وإلى "نجريج" التي لم ينسها أبدًا.

ثم توالت الألقاب: الدوري الإنجليزي، السوبر الأوروبي، كأس العالم للأندية، وكلها كانت ليفربول يحصدها لأول مرة منذ سنوات طويلة. وكان محمد صلاح دائمًا في القلب، لا لاعبًا فقط، بل قائدًا ورمزًا.

لكن ما يميّز صلاح ليس أرقامه فقط، بل أخلاقه. في عصر تُستهلك فيه الشهرة سريعًا، ظلّ هو ثابتًا. لا حفلات، لا فضائح، لا تصريحات مثيرة. فقط عطاء، احترام، وحب كبير لأهله وبلده.

تبرّع بملايين الجنيهات لبناء مستشفيات، وتجديد مدارس، وتوفير الماء النظيف. يزور قريته باستمرار، يحضن أمه، ويجلس مع الأطفال في المقاهي. لم تغيّره النجومية، بل جعلته أقرب للناس.

أما مع المنتخب المصري، فقصته لا تقل ملحمية. قاد "الفراعنة" إلى كأس العالم 2018 بعد غياب 28 سنة، بتسديدة تاريخية من ضربة جزاء في الدقيقة الأخيرة ضد الكونغو. دخل قلوب المصريين، ليس كلاعب، بل كبطل قومي.

وفي كأس إفريقيا، وصل بالمنتخب إلى النهائي مرتين، لكن الحظ لم يكن حليفًا. ومع ذلك، ظل الناس يهتفون باسمه، لأنهم رأوا فيه رجلاً لا يتهرب من المسؤولية، بل يواجهها بصدر مفتوح.

اليوم، يُعتبر محمد صلاح واحدًا من أفضل اللاعبين في تاريخ أفريقيا والعالم العربي. حصد الجوائز الفردية: أفضل لاعب في أفريقيا مرتين، في الدوري الإنجليزي، اختير ضمن تشكيلة الفيفا، دخل سباق الكرة الذهبية، وأصبح أيقونة عالمية.

لكنه رغم كل ذلك، لا يزال ابن "نجريج". لا يزال يركع بعد كل هدف، شكرًا لله. لا يزال يتحدّث بعربية فصيحة، ويدعم قضايا أمته، ويرفض الظلم.

هو أكثر من نجم. هو قصة نجاح. هو دليل على أن الأحلام لا تنتمي فقط لأبناء المدن الكبرى، بل تسكن في كل قرية، في كل بيت متواضع، في كل فتى يركض خلف المستحيل.







محمد صلاح: الفتى الذي أعاد تعريف "القدوة"

عندما يُذكر اسم محمد صلاح، لا يمكن للعقل أن يتوقف عند كونه لاعب كرة قدم فقط. هو أكثر من ذلك بكثير. هو حكاية عصر، وصوت جيل، ورمز لمسيرة بدأت من العدم، وشقت طريقها بالإيمان والإصرار. ما يميز محمد صلاح ليس فقط ما فعله، بل كيف فعله.

هو مثال نادر للاعب اختار أن يصعد القمة دون أن يتخلى عن جذوره، عن هويته، عن صلاته، عن والديه، عن قريته.

لكن ما الذي يجعل صلاح مختلفًا حقًا؟

1. فلسفة "العقل الهادئ" وسط عاصفة الكرة

في كرة القدم، اللاعبون محاطون بالضوضاء. صحافة، جماهير، مال، أضواء، مغريات لا تنتهي. معظم اللاعبين يفقدون توازنهم سريعًا. لكن صلاح كان استثناءً. منذ لحظة انتقاله إلى أوروبا، اختار طريقًا مختلفًا.

عاش في الظل، حتى وهو في قلب الضوء. لم ينشغل بإثبات شيء لأحد، بل فقط لإرضاء ضمير داخل نفسه.

مدربوه في بازل، فيورنتينا، روما، ثم ليفربول، تحدثوا دائمًا عن أمر واحد:
"صلاح يعمل بصمت. لا يتحدث كثيرًا. لا يعترض. فقط يبتسم، ويتدرّب بجدية مدهشة."

في إحدى المقابلات، قال يورغن كلوب:
"هو أول من يدخل التدريبات، وآخر من يغادر. لا يتذمر من شيء. إذا طلبت منه أن يلعب ظهيرًا، سيفعل ذلك بابتسامة."

هذه الأخلاق لم تأتِ من فراغ. إنها نتاج تربية متينة، لقيم راسخة في قريته. حين يذهب إلى نجريج، لا يعيش كالنجم، بل كواحد من الناس. يذهب إلى المسجد، يسلم على الجيران، ويجلس على الأرض مع أصدقائه القدامى.

ذات مرة، عندما زار إحدى المدارس القديمة في قريته، سأل أحد الطلاب الصغار:
"هل تحب أن تكون مثلي؟"
رد الطفل:
"أريد أن أكون مثلك… بس من غير ما أسيب أمي."
ابتسم صلاح… ودمعت عينه.

2. محمد صلاح والدين: السجدة التي أصبحت رمزًا عالميًا

كثيرون حاولوا أن يفصلوا الدين عن الرياضة. لكن محمد صلاح كان استثناء. دون أن يدخل في جدل، أو يُزايد، كان يمارس دينه ببساطة، بمحبة، وبدون افتعال.

يسجد بعد كل هدف، يُظهر احترامه، صلاته، حمده. واللافت، أن جماهير ليفربول لم تستهجن هذا، بل أحبته أكثر. كتبوا أغنية تقول:
"If he scores another few, then I’ll be Muslim too…"
(إذا سجل هدفًا آخر، سأصبح مسلمًا أنا أيضًا).

هذا المزج بين الأداء الرائع والإخلاق الرفيعة جعله أفضل سفير غير رسمي للإسلام في أوروبا. لم يحتج إلى خطبة أو خطاب، فقط هدف وسجدة، وبعض اللطف، ليُظهر صورة جميلة عن دينه.

3. المواقف الصعبة: صلاح عندما يحترق الظهر... لكنه لا ينحني

النجاح لا يُقاس فقط بما تحققه، بل بما تتجاوزه. وصلاح مر بمحطات كادت أن تقتل حلمه.

  • في تشيلسي، استُبعد في أغلب المباريات، وتوقّع الجميع فشله، لكنه لم يردّ بالكلام، بل بالأداء في إيطاليا.

  • في نهائي الأبطال 2018، أصيب إصابة مروّعة، وبكى أمام الملايين، لكنه عاد في الموسم التالي وتُوّج.

  • في كأس إفريقيا 2022، خسر النهائي بركلات الترجيح أمام السنغال، ورغم الألم، خرج ليُحيّي اللاعبين ويشكر الجمهور.

حتى عندما تعرض لحملة تشويه بعد حادثة "التهرب الضريبي" المزعومة، لم يُصدر بيانًا غاضبًا، فقط ترك الجهات الرسمية ترد، ثم عاد ليُسجّل، ويصمت كل شيء.

وفي حياته الشخصية، تعرض لهجوم قاسٍ بسبب زوجته، بسبب ملابسها، بسبب خياراته. لكنه لم يرد أبدًا. حافظ على احترامه للناس، حتى من يهاجمه.

4. الكواليس: صلاح الإنسان

في لحظة من اللحظات، وبينما كان يخرج من أحد تدريبات ليفربول، شاهد طفلًا إنجليزيًا يبكي بعد أن اصطدم بعمود وسقط أثناء محاولة اللحاق بسيارته. أوقف محمد صلاح سيارته، نزل، وحمل الطفل بنفسه، والتقط معه صورًا، وابتسم، ثم عاد لسيارته.

هذا لم يكن أمام الكاميرات، لم يكن حملة دعائية. فقط صلاح… الإنسان.

تبرعاته لمستشفيات سرطان الأطفال، دعمه لمبادرات تعليمية في مصر، تجهيزه لمسجد ومستشفى في قريته، كلها أعمال لم يتحدث عنها كثيرًا. لكنه فعلها.

حين ضربت أزمة كورونا مصر، كان من أوائل من ساهموا في دعم المتضررين بصمت. وعندما اشتعلت الأزمات في فلسطين، كتب:
"كفى. يجب أن يتوقف هذا. العالم يرى، ويسكت."

صلاح لا يلبس عباءة "المناضل"، لكنه ينطق عندما يكون الصمت جريمة.

5. الحاضر والمستقبل: هل سيبقى في ليفربول؟

الحديث عن رحيل محمد صلاح إلى الدوري السعودي، أو إلى برشلونة أو باريس، دائمًا ما يطغى على الإعلام. لكن صلاح لا يتحدث كثيرًا. قال ذات مرة:
"أنا لاعب كرة… وأريد أن أستمتع باللعبة. ما دام ليفربول يريدني، سأبقى."

لكنه يدرك، كما يدرك الجميع، أن وقته في أوروبا يقترب من نهايته. ومع بلوغه الثلاثين، أصبح يفكر فيما بعد، ربما في مشروع أكاديمية في مصر، أو أعمال إنسانية.

لكن ما لا شك فيه، أن محمد صلاح لم يعد مجرد نجم، بل أصبح من أعظم من أنجبتهم الكرة العربية في التاريخ.
حطّم الأرقام، لكن الأهم… أنه لمس القلوب.


الخاتمة: حين يصبح الحلم شخصًا

محمد صلاح هو الحلم، حين يمشي على قدمين.
هو الفتى الذي لم يُغيّره المال، ولا الأضواء، ولا الشهرة.
ظلّ كما هو… مؤمنًا، حالمًا، مقاتلًا، بسيطًا.

من نجريج… إلى العالم، حمل الكرة بيمينه، والحمد بلسانه، والناس في قلبه.
وحين يُذكر اسمه يومًا بعد سنوات، سيقول الناس:
"كان بيننا رجل… اسمه محمد صلاح. لم يكن لاعبًا فقط. كان قدوة."


ads2

google-playkhamsatmostaqltradent