recent
أخبار ساخنة

حسن أقصبي: أسطورة الكرة المغربية ورائد الاحتراف في أوروبا

حسن أقصبي: أسطورة الكرة المغربية ورائد الاحتراف في أوروبا



حسن أقصبي: أسطورة الكرة المغربية ورائد الاحتراف في أوروبا




المقدمة                                                                                                 عندما يُذكر تاريخ كرة القدم المغربية، تبرز أسماء قليلة ارتبطت بالذاكرة الجماعية للجماهير، واعتُبرت رموزًا أسطورية تركت أثرًا عميقًا في مسيرة اللعبة داخل المغرب وخارجه. من بين هؤلاء الأسماء، يسطع اسم حسن أقصبي، المهاجم الفذ الذي لم يكن مجرد لاعب كرة قدم عادي، بل كان سفيرًا للكرة المغربية في القارة الأوروبية، وأيقونة من أيقونات الجيل الذهبي الذي مهّد الطريق أمام الأجيال اللاحقة من النجوم.                                                       

في زمنٍ لم تكن فيه الاحترافية منتشرة، ولم يكن للمغاربة حضور قوي في البطولات الأوروبية، شقّ حسن أقصبي طريقه نحو فرنسا ليكتب هناك فصولًا من التألق والنجاح مع أندية عريقة مثل نيم أولمبيك وموناكو وستاد ريمس. لم يكن انتقاله إلى أوروبا مجرد مغامرة شخصية، بل كان حدثًا تاريخيًا ألهم المئات من اللاعبين الذين جاؤوا بعده، ورسّخ فكرة أن اللاعب المغربي قادر على فرض نفسه في أقوى الدوريات.

إن الحديث عن حسن أقصبي لا يقتصر على مسيرته الكروية فحسب، بل يمتد إلى شخصيته الهادئة، وانضباطه الكبير، وإيمانه العميق بقيمة العمل الجاد. كان لاعبًا يعرف متى يبتسم، ومتى يركّز، ومتى يترك بصمته الحاسمة على أرضية الملعب. ولذلك لم يكن غريبًا أن يلقبه الكثيرون بـ"المايسترو" أو "القناص"، إذ جمع بين فنيات عالية وحس تهديفي لا مثيل له في تلك الحقبة.

ولأن أي أسطورة لا تولد من فراغ، فإن رحلة حسن أقصبي تستحق أن تُروى منذ بدايتها الأولى في شوارع الرباط، مرورًا بمحطاته الأولى مع الفتح الرباطي، وصولًا إلى تألقه الكبير في الملاعب الفرنسية، ثم حضوره المميز مع المنتخب المغربي، وأخيرًا إلى إرثه الكروي الذي ما زال حاضرًا حتى اليوم في ذاكرة الجماهير والباحثين في تاريخ الرياضة المغربية.

في هذا المقال المطول، سنحاول أن نرسم صورة شاملة لحياة ومسيرة حسن أقصبي، نقترب من طفولته وظروف نشأته، نتتبع خطواته الأولى مع الكرة، ونحلل أبرز محطاته الكروية، مع إبراز مكانته بين عظماء اللعبة في المغرب. سنستعرض شهادات الصحافة، ونقف على تفاصيل شخصيته، لنقدم للقارئ لوحة متكاملة عن واحد من أهم رجالات الكرة المغربية في القرن العشرين.

النشأة والبدايات

  نشأ حسن أقصبي، طفلًا مغربيًا بسيطًا يهوى اللعب والمرح مثل باقي أقرانه. لكن ما ميّزه عن غيره هو شغفه المبكر بكرة القدم. كانت أزقة وأحياء الرباط تشهد يوميًا مباريات عفوية بين الصبية، يلعبون بالكرة لساعات طويلة دون كلل أو ملل. هناك، في تلك المباريات الشعبية، صقل أقصبي موهبته الأولى، وأظهر علامات التفوق مقارنة بأقرانه.

الأسرة والدعم المبكر

تنحدر أسرة حسن أقصبي من بيئة متوسطة، لم تكن غنية ولا فقيرة بشكل مدقع، لكنها كانت تمنحه الحب والرعاية اللازمة. والده، مثل كثير من المغاربة في تلك الفترة، كان حريصًا على تعليم أبنائه القيم الأساسية: الاحترام، الاجتهاد، والانضباط. أما والدته فكانت دائمًا تسانده وتشجعه على ممارسة هوايته المفضلة. صحيح أن كرة القدم في نظر العائلات المغربية آنذاك لم تكن مهنة، بل مجرد تسلية للصغار، لكن إصرار حسن وموهبته جعلا عائلته تمنحه مساحة أكبر لممارسة اللعبة.

كرة القدم في المغرب 

لفهم بدايات أقصبي، لا بد من التوقف قليلًا عند المشهد الكروي في المغرب خلال الأربعينيات وبداية الخمسينيات. في تلك الحقبة، كانت كرة القدم المغربية تتأثر بشكل مباشر بالوجود الفرنسي، حيث أُنشئت أندية في كبريات المدن مثل الوداد والرجاء في الدار البيضاء، والفتح في الرباط، والمغرب الفاسي والكوكب المراكشي. هذه الأندية لم تكن مجرد فرق رياضية، بل كانت أيضًا فضاءات للمقاومة الثقافية والهوية الوطنية، حيث كان المغاربة يرون في الكرة وسيلة للتعبير عن ذاتهم وإثبات كفاءتهم أمام المستعمر.

في الرباط، كان الفتح الرباطي يمثل القلب النابض للحياة الرياضية، وكان ناديًا يجمع بين الطابع الرياضي والبعد الوطني. هناك، وجد حسن أقصبي بيئة مثالية لتطوير مهاراته والانخراط في مشروع كروي أكبر من مجرد لعبة.



حسن أقصبي: أسطورة الكرة المغربية ورائد الاحتراف في أوروبا





الالتحاق بالفتح الرباطي

بدأت مسيرة حسن أقصبي الكروية بشكل منظم حين التحق بفريق الفتح الرباطي في سن مبكرة. النادي كان آنذاك أحد أبرز الأندية المغربية، ويضم نخبة من اللاعبين المحليين الذين حملوا على عاتقهم مهمة تمثيل مدينتهم بأفضل صورة.

في الفتح، سرعان ما لفت أقصبي الأنظار بقدراته التهديفية، فقد كان لاعبًا سريعًا، يتمتع بذكاء كبير في التمركز، ويملك تسديدة قوية ودقيقة. هذه المميزات جعلته يتدرج بسرعة داخل الفئات العمرية للنادي، حتى أصبح لاعبًا بارزًا في الفريق الأول.

سمات أسلوبه في البدايات

حتى في سنواته الأولى، كان واضحًا أن حسن أقصبي مختلف عن باقي زملائه.

  • كان يتمتع بغريزة هجومية طبيعية تجعله يعرف دائمًا أين تتمركز الكرة.

  • كان يملك لياقة بدنية جيدة تساعده على مجاراة نسق المباريات القوي.

  • لم يكن أنانيًا داخل الملعب، بل كان يحب تبادل الكرات مع زملائه وصناعة الأهداف.

  • أظهر انضباطًا تكتيكيًا لافتًا، وهو أمر نادر في لاعبي تلك الفترة.

هذه الصفات جعلت منه لاعبًا لا غنى عنه في تشكيلة الفتح الرباطي، وأحد أبرز نجوم البطولة الوطنية آنذاك، مما جذب انتباه الصحافة المحلية التي بدأت تكتب عنه بإعجاب.

تأثير البيئة المحيطة

النشأة في الرباط خلال الأربعينيات والخمسينيات لم تكن سهلة، فالوضع السياسي كان مشحونًا، وكانت الحركة الوطنية تناضل من أجل الاستقلال. هذا الجو جعل حسن أقصبي يتشبع بروح الانضباط والنضال، وهي قيم انعكست في شخصيته الكروية. فقد كان يرى كرة القدم ليست فقط وسيلة للترفيه، بل أيضًا مجالًا لتمثيل المغرب وإبراز كفاءته أمام العالم.



ads2

google-playkhamsatmostaqltradent