recent
أخبار ساخنة

عبد الجليل هدا “كماتشو” – المهاجم الذي حمل شغف المغرب إلى العالم

 

عبد الجليل هدا “كماتشو” – المهاجم الذي حمل شغف المغرب إلى العالم



عبد الجليل هدا “كماتشو” – المهاجم الذي حمل شغف المغرب إلى العالم




البدايات

وُلد عبد الجليل هدا، المعروف في الأوساط الرياضية بلقب كماتشو، في مدينة مكناس المغربية سنة 1972. منذ طفولته، أظهر شغفًا كبيرًا بكرة القدم، فكان يقضي ساعات طويلة في ملاعب الأحياء الشعبية، حيث وُلدت موهبته في بيئة بسيطة لكنها غنية بالحماس والعشق للكرة. كانت مكناس، في تلك الفترة، من المدن التي تملك إرثًا رياضيًا قويًا، وقد وجد فيها كماتشو الدعم من الأصدقاء والمدربين الأوائل الذين لاحظوا سرعته وقدرته على تسجيل الأهداف حتى من أوضاع صعبة.

بدأ مشواره الكروي مع الفئات الصغرى لنادي الكوديم المكناسي، وهناك صقل مهاراته الفنية وتعلم الانضباط التكتيكي. في صفوف النادي، كان لاعبًا مميزًا بفضل حضوره البدني القوي وجرأته أمام المرمى، وقدرته على قراءة تحركات الدفاع بشكل ذكي. لم تمضِ سنوات قليلة حتى تمت ترقيته إلى الفريق الأول، وهناك بدأت قصته مع النجومية.

الانطلاقة مع الكوديم

في الكوديم، لمع نجم كماتشو بشكل سريع. في كل موسم كان يثبت أنه مهاجم فذ، يجمع بين القوة والمهارة، بين اللعب الجماعي والحس التهديفي العالي. جماهير مكناس أحبّته لأنه كان يلعب بروح محلية خالصة، لا يكلّ ولا يملّ، ويدافع عن ألوان الفريق بشراسة وشغف. تميز بقدرته على التسجيل بالرأس وعلى اقتناص الفرص من مسافات قصيرة، فكان خصمًا مزعجًا لأي دفاع يواجهه.

خلال هذه الفترة، بدأ اسمه يتردد على ألسنة المحللين والمدربين في المغرب. الجميع رأى فيه مشروع مهاجم من طراز نادر، فبدأت العروض تنهال عليه من أندية داخل وخارج المغرب.

التجربة الاحترافية في السعودية

في منتصف التسعينيات، كانت كرة القدم الخليجية تشهد تطورًا لافتًا، وكان نادي الاتحاد السعودي من أبرز الفرق في المنطقة. هناك وجد كماتشو فرصة للاحتراف خارج بلده للمرة الأولى. انتقل إلى الاتحاد سنة 1996، وهناك عاش واحدة من أجمل فتراته الكروية. منذ أولى مبارياته، أظهر قدراته الهجومية الهائلة، وتمكن من تسجيل أهداف مهمة جعلت الجماهير الاتحادية تهتف باسمه.

عرف كماتشو في السعودية بشخصيته الودودة وتواضعه خارج الملعب، لكنه في الملعب كان محاربًا لا يرحم الدفاعات المنافسة. قدرته على اللعب بكلتا القدمين ومهارته في اقتناص الكرات العالية جعلته أحد أفضل المهاجمين الأجانب الذين مروا على الفريق في تلك الحقبة.

المحطة التونسية

بعد تجربته في السعودية، انتقل إلى النادي الإفريقي التونسي، أحد أعرق الأندية في شمال إفريقيا. لم يكن التأقلم مع الأجواء التونسية سهلاً في البداية، لكن سرعان ما أصبح عنصرًا أساسيًا في تشكيلة الفريق. أسلوبه القتالي وروحه العالية جعلاه محبوبًا من الجماهير التونسية. في صفوف الإفريقي، واصل تسجيل الأهداف وصناعة اللحظات الجميلة، مضيفًا فصلًا جديدًا إلى مسيرته الاحترافية.

الحلم الأوروبي

لم يكتف كماتشو بالملاعب العربية، فقد انتقل إلى أوروبا ليلعب في صفوف سبورتينغ خيخون الإسباني. كانت تلك تجربة قصيرة لكنها تركت أثرًا مهمًا في مسيرته، إذ سمحت له بمواجهة كرة قدم مختلفة من حيث السرعة والانضباط التكتيكي. في الليغا الإسبانية، احتكّ بلاعبين من مستوى عالٍ، ما زاد من نضجه الفني وصقل موهبته.

مع المنتخب المغربي

ذروة مجده جاءت عندما استُدعي إلى صفوف المنتخب الوطني المغربي. في التسعينيات، كان “أسود الأطلس” يعيشون فترة ذهبية، وكماتشو كان أحد أبرز المهاجمين الذين مثّلوا المغرب بكل فخر. شارك في تصفيات كأس العالم 1998، وكان له دور محوري في تأهل المنتخب إلى المونديال الفرنسي.


عبد الجليل هدا “كماتشو” – المهاجم الذي حمل شغف المغرب إلى العالم



في كأس العالم 1998 بفرنسا، قدّم كماتشو أداءً بطوليًا. سجل هدفين تاريخيين: الأول في مرمى النرويج، والثاني ضد اسكتلندا. تلك اللحظات جعلت اسمه يخلد في ذاكرة الجماهير المغربية والعربية، لأن أهدافه جسّدت روح المهاجم الذي يلعب من أجل الشعار، لا من أجل المجد الشخصي فقط.

كان أسلوب لعبه يعتمد على الحركة الدائمة داخل منطقة الجزاء، والتمركز الذكي، والقدرة على استغلال أنصاف الفرص. كما كان لاعبًا متعاونًا، يفتح المساحات لزملائه ويشارك في بناء الهجمات، وليس مجرد هداف ينتظر الكرة.

أسلوب اللعب والصفات الفنية

تميز كماتشو بقوة بدنية ملحوظة، وسرعة في الانقضاض على الكرة، مع حسّ تهديفي نادر. كان يعرف كيف يتمركز بين المدافعين ليخلق لنفسه مساحة صغيرة تكفي لتسجيل هدف. إضافة إلى ذلك، كان يمتاز بقدرة ممتازة على اللعب بالرأس، مما جعله خطرًا دائمًا في الكرات الثابتة والعرضيات.
كان من النوع الذي يلعب بعقله قبل قدمه؛ يقرأ اللعب، يقدّر توقيت التمريرة، ويتوقع تحركات الحارس والمدافعين.

التحديات والابتلاءات

مثل كثير من اللاعبين الكبار، لم تكن حياة كماتشو بعد الاعتزال سهلة. بعد سنوات من المجد، واجه مشاكل صحية صعبة، إذ عانى من مرض كلوي تطلب علاجًا طويلًا ومكلفًا. هذه المرحلة كشفت الجانب الإنساني من شخصيته؛ رجل واجه المرض بصبر وعزيمة، رغم قلة الدعم الذي تلقاه من المؤسسات الرياضية.

كما عانى من بعض الأزمات الشخصية والإشاعات التي أثّرت على سمعته في فترة من الفترات، لكنه ظلّ متمسكًا بحبه لكرة القدم وبإيمانه بأن الإنسان يُعرف بما قدّمه للناس، لا بما يُقال عنه.

الاعتزال والعودة إلى الجذور

بعد رحلة طويلة بين المغرب والعالم العربي وأوروبا، قرر كماتشو إنهاء مسيرته الكروية في أوائل الألفية الجديدة. عاد إلى المغرب، إلى مدينته مكناس، حيث بدأ كل شيء. ظل قريبًا من كرة القدم، يشارك أحيانًا في أنشطة شبابية، ويقدم النصح للاعبين الصغار الذين يرون فيه مثالاً للروح القتالية والمثابرة.

رغم مرور السنوات، لم ينسَه الجمهور المغربي، خصوصًا أولئك الذين شاهدوه يرتدي قميص المنتخب في فرنسا سنة 1998. كثيرون يعتبرونه رمزًا لجيل ذهبي عاش على الحلم، وقدم للكرة المغربية صورة المقاتل الصامت الذي يرد على كل التشكيك بالأداء داخل الميدان.

الإرث الكروي والإنساني

عبد الجليل هدا “كماتشو” لم يكن مجرد لاعب يسجل الأهداف، بل كان نموذجًا للعزيمة المغربية. قصته تختصر معاني الكفاح، من شوارع مكناس البسيطة إلى ملاعب العالم الكبرى. علّم الأجيال اللاحقة أن الموهبة لا تكفي، وأن العمل الجاد والانضباط والاحترام للعبة هي مفاتيح النجاح الحقيقي.

تاريخ كرة القدم المغربية يذكره كأحد أبرز المهاجمين الذين مرّوا على المنتخب في التسعينيات، وكمصدر فخر لجيل كامل تربّى على متابعته. وما زال اسمه يذكر كلما تحدّث المغاربة عن المونديال الذي أعاد لهم الاعتزاز بالكرة الوطنية.

الدروس المستفادة من مسيرته

قصة كماتشو تحمل أكثر من درس:

  • أن النجاح لا يأتي بسهولة، بل يحتاج إلى صبر ومثابرة.

  • أن الاحتراف لا يعني الغربة عن الوطن، بل تمثيله بأفضل صورة.

  • أن اللاعب الحقيقي هو من يظل محبوبًا بعد أن يعتزل، لا أثناء الشهرة فقط.

كماتشو مثال للاعب الذي عرف معنى التضحية، وأدرك أن المجد الحقيقي لا يُقاس بعدد الأهداف، بل بعمق الأثر الذي يتركه في قلوب الناس.

ads2

google-playkhamsatmostaqltradent