recent
أخبار ساخنة

أشرف حكيمي: ابن المغرب الذي راوغ الحياة وسابق الزمن

أشرف حكيمي: ابن المغرب الذي راوغ الحياة وسابق الزمن



أشرف حكيمي: ابن المغرب الذي راوغ الحياة وسابق الزمن



في أحد أحياء مدريد الشعبية، حيث تتقاطع الأحلام مع الهجرة، وتتشكل الهويات بين ثقافتين، وُلد طفل مغربي سيغيّر تاريخ كرة القدم في بلده، ويثبت أن الانتماء لا تحدده الجغرافيا، بل القلب. لم يكن أحد يعلم حينها أن هذا الطفل سيصبح واحدًا من أفضل المدافعين في العالم، وأسطورة مغربية حيّة، يُشار إليها بالبنان في كل بطولة، وُيصفق له ملايين العرب من المحيط إلى الخليج.

اسمه الكامل أشرف حكيمي موح، وُلِد يوم 4 نوفمبر سنة 1998 في العاصمة الإسبانية مدريد، لأبوين مغربيين مهاجرين من منطقة القصر الكبير شمال المغرب. والده كان يعمل في تنظيف الشوارع، ووالدته خادمة منازل. لم يكن لديهم المال الكثير، لكنهم امتلكوا ما هو أندر: القناعة، الحب، والكرامة.

نشأ أشرف في حي "خيتافي"، حيث تلتقي الثقافات، ويكبر الأطفال في صراع دائم بين الحفاظ على الهوية والانخراط في مجتمع مختلف. من سن مبكرة، كان واضحًا أن لديه طاقة زائدة، يركض بلا توقف، يقفز فوق الحواجز، ويضحك بصوت عالٍ.

كانت الكرة أول وسيلة عبّر بها عن نفسه. في المدرسة، في الشارع، في الحديقة، كانت الكرة لا تفارقه. وعندما بلغ السابعة، قرر والده أن يسجله في نادٍ صغير قريب يُدعى "كولونيا أوفيستا". ومن هناك، بدأ يُبهر الجميع.

لم يكن لاعبًا عاديًا. سرعته خرافية، قراءته للملعب استثنائية، وأسلوبه في التقدم بالكرة مختلف. لم يكن مدافعًا فقط، بل لاعبًا يربك الخصم من الخلف. لم يكن يخاف من المواجهة، بل يركض نحوها، يتحدى، يتجاوز، ويصنع الفارق.

وبعد أقل من عامين، جاء العرض الكبير: ريال مدريد، النادي الذي يحلم به ملايين الأطفال حول العالم، طلب ضمّ الطفل المغربي إلى أكاديميته الشهيرة "لا فابريكا".

في سن العاشرة، انتقل أشرف إلى ريال مدريد، لكنه لم ينتقل وحده، بل اصطحب معه حلم عائلة كاملة، وجذور بلد بأكمله.

في أكاديمية الملكي، واجه تحديات ضخمة. اللغة، البيئة الجديدة، النظرة الغريبة إلى "المغربي المهاجر"، ثم التنافس الشرس داخل أكاديمية تعجّ بالمواهب من كل الجنسيات. لكن أشرف لم يكن ليتراجع. كان يقاتل، يتطور، ويُبهر المدربين بسرعة تأقلمه.

وبين عامي 2006 و2016، تسلّق سلم المجد درجة درجة. تدرّج في الفئات العمرية كلها، وحين بلغ 18 سنة، تم تصعيده إلى الفريق الرديف "كاستيا"، وهناك قدّم مستويات جعلت مدرب الفريق الأول آنذاك، زين الدين زيدان، يضع عينيه عليه.

وفي موسم 2017-2018، جاءت اللحظة الكبرى: أشرف حكيمي يظهر لأول مرة بقميص ريال مدريد مع الفريق الأول، في مباراة رسمية بالدوري الإسباني. وبعدها بأيام، يسجّل هدفًا رائعًا في مرمى إشبيلية، ويصبح أول مدافع عربي يُسجّل هدفًا مع ريال مدريد في "الليغا".

ورغم موهبته الواضحة، كان من الصعب أن يحجز مكانًا أساسيًا في فريق يضم أساطير مثل مارسيلو، كارفاخال، وراموس. لذا قرر النادي إعارته ليكتسب خبرة أكبر.

في صيف 2018، اتخذ حكيمي قرارًا مفصليًا: الانتقال إلى نادي بروسيا دورتموند الألماني على سبيل الإعارة لمدة عامين. كان يعلم أن الدوري الألماني يحتاج قوة وسرعة، وكان ذلك مناسبًا تمامًا لقدراته.

وفي ألمانيا، انفجر النجم المغربي. أصبح لاعبًا لا يُستبدل، وأحد أكثر الأظهرة الهجومية تأثيرًا في أوروبا. لعب كظهير أيمن، أيسر، وحتى جناح. سجّل أهدافًا خرافية، ومرّر تمريرات حاسمة. في إحدى المباريات أمام إنتر ميلان، سجل هدفين في دوري الأبطال وأبهر الجميع.

في تلك الفترة، اكتسب مهارات لا تُقدّر بثمن. أصبح أسرع، أقوى بدنيًا، أكثر هدوءًا تحت الضغط. الصحافة الألمانية لقبته بـ"الصاروخ المغربي"، والجماهير عشقته لأسلوبه الهجومي المتوحش.

عندما انتهت فترة الإعارة، لم يعد ريال مدريد يملك له مكانًا، فقرر بيعه لنادٍ يُناسب طموحاته. وفعلاً، في 2020، وقّع لنادي إنتر ميلان الإيطالي مقابل 40 مليون يورو، وهناك كتب فصلًا جديدًا من التألق.

تحت قيادة أنطونيو كونتي، تألق حكيمي كظهير أيمن في خطة 3-5-2، وساهم بشكل مباشر في تتويج الإنتر بلقب الدوري الإيطالي بعد غياب 11 سنة. سجّل 7 أهداف، ومرّر أكثر من 10 تمريرات حاسمة، وكان أحد أفضل لاعبي الكالتشيو.

لكنه لم يتوقف. في صيف 2021، طلبه نادي باريس سان جيرمان، ضمن مشروعه الضخم لضم النجوم، وانتقل إلى العاصمة الفرنسية مقابل 60 مليون يورو، ليبدأ التحدي الأضخم.

في باريس، أصبح زميلًا لنيمار، مبابي، وميسي. لم يخف، لم يتردد، بل واصل الركض والإبداع. سجّل أهدافًا حاسمة في الدوري، وشارك في دوري الأبطال، وكتب اسمه ضمن النخبة.

لكن أهم محطة في حياته لم تكن ناديًا أوروبيًا… بل كانت بلده الأم: المغرب.

رغم ولادته في إسبانيا، لم يفكر حكيمي يومًا في تمثيل منتخب "لاروخا". عندما طلبوه، رفض بأدب. قال:
"أنا مغربي، نشأت على ثقافة المغرب، أكلنا مغربي، تربيتنا مغربية. لم أنس جذوري أبدًا."

بدأ مشواره مع منتخب المغرب في سن 17، وتحوّل بسرعة إلى الركيزة الأساسية في كل البطولات. تألق في كأس إفريقيا، وسجّل أهدافًا صاروخية من ضربات حرة، لكنه بلغ ذروة المجد في كأس العالم قطر 2022.

هناك، كتب التاريخ.

في مونديال 2022، كان حكيمي قائدًا حقيقيًا لجيل أسطوري. مع المدرب وليد الركراكي، ورفاقه مثل زياش، بونو، سايس، ومرابط، فعلوا ما لم يكن يتخيله أحد.

فازوا على بلجيكا، تعادلوا مع كرواتيا، ثم أسقطوا إسبانيا في ثمن النهائي بركلات الترجيح، بركلة بانينكا خالدة من حكيمي نفسه، وصعدوا إلى ربع النهائي. ثم أطاحوا بالبرتغال، ووصلوا إلى نصف النهائي، كأول منتخب عربي وأفريقي يحقق هذا الإنجاز.

بكى أشرف بعد الانتصارات، ركض إلى والدته في المدرجات، احتضنها بقوة، قبّل جبينها. تلك الصورة التي دارت العالم، كانت درسًا في الوفاء، في الحب، في الجذور التي لا تموت.

قال بعدها:
"أمي هي بطلة حياتي. عملت خادمة كي أطارد حلمي، واليوم أنا هنا من أجلها."

أشرف لم يكن مجرد نجم، بل رمز لكل شاب مغربي وعربي يملك الحلم والإصرار.

واليوم، يُعتبر حكيمي أحد أفضل المدافعين في العالم، يتمتع بلياقة نادرة، وسرعة خارقة، وقدرة هجومية لا يمتلكها أي ظهير آخر. يلعب بجرأة، لا يخشى المواجهة، ويصنع الفارق من الخلف كما لو أنه مهاجم.

لكنه أيضًا شاب مثقف، متواضع، دائم التحدث عن بلده وأصله. يتحدث العربية، والدارجة، ويزور المغرب باستمرار. دعم مشاريع اجتماعية، وساهم في تمويل مستشفيات، وساعد شبابًا عبر مؤسسات خيرية.

في حياته الشخصية، مرّ بمحطات صعبة. تزوج من الممثلة التونسية هبة عبوك، وأنجب منها طفلين، ثم انفصلا لاحقًا في خضم ضجة إعلامية. لكنه ظل هادئًا، لا يتحدث عن حياته الخاصة، وترك أفعاله تتحدث عنه.

وفي كل مباراة، يرفع رأسه عاليًا، ويقاتل من أجل شعار بلده، وشرف اسمه، وأمل الملايين الذين يرونه مثلًا أعلى.

أشرف حكيمي ليس فقط لاعب كرة قدم. هو قصة نجاح مهاجر، حكاية كفاح عربي، ومسيرة شاب تحدّى التوقعات، واخترق أسوار أوروبا، وأصبح أسطورة وهو لم يتجاوز الثلاثين.

حين تعتزل الكرة يومًا ما، ستتذكره الجماهير العربية كواحد من أعظم من مثّلوها، ليس فقط بالمهارة، بل بالشخصية، بالقيم، بالإيمان بالوطن.






🟢 أشرف حكيمي – الفتى الذي يمشي في الضوء ولا يخاف من الظلال

في عالم كرة القدم الحديث، لم يعد اللاعب الجيد يكفي أن يكون بارعًا على المستطيل الأخضر، بل عليه أن يكون إنسانًا مؤثرًا خارج الملعب. نيمار، ميسي، كريستيانو… كلهم أدركوا هذه المعادلة. لكن القليلين من أمثال أشرف حكيمي، أدركوها مبكرًا، وتفوقوا فيها بأسلوب فريد.

أشرف ليس فقط نموذجًا في الأداء، بل أيضًا في التوازن. بين الشهرة والخصوصية، بين الغنى والتواضع، بين الحياة الصاخبة والمبادئ الصلبة، عرف كيف يحافظ على خطّ مستقيم في وسط الزحام.

في باريس، مدينة الأضواء، كان يمكن أن ينغمس في أجواء المشاهير، السهرات، الكاميرات، لكنه اختار طريقًا مختلفًا. يعيش حياة بسيطة. يحب القراءة. يهتم بتغذيته، ينام مبكرًا. حتى حين تعرض لحملات إعلامية، لم يُطلق تصريحات نارية، بل ردّ في الملعب.

هو ليس صامتًا، لكنه لا يصرخ. لا يبحث عن ضوء الكاميرا، بل يجعل الأداء هو الذي يلفت الأنظار.

وحين ننظر إلى طريقة لعبه، نفهم الكثير عن شخصيته.

أشرف حكيمي هو ظهير، لكن لا يمكن تصنيفه بسهولة. هو هجوميّ أكثر من أي مدافع، يملك عقل صانع ألعاب، وسرعة مهاجم، وانضباط قلب دفاع. يركض في المباراة الواحدة مسافات تتجاوز 10 كيلومترات، بسرعة لا تقل، وبتكرار لا يملّ. في كثير من المباريات، يكون سبب الفوز، رغم أنه لا يلعب في خط الهجوم.

لكن ليس فقط أداءه هو ما يُبهر المدربين، بل عقليته. المدربون الذين عملوا معه، من زيدان إلى توخيل، كونتي، غالتير، لويس إنريكي، وحتى وليد الركراكي، أجمعوا على أمر واحد:
"أشرف لاعب يسمع، يفهم، وينفّذ. نادر الذكاء والمرونة."

هذه القدرة على التكيّف جعلته مطلوبًا في كل الأنظمة. في خطة 4-3-3، يلمع كظهير هجومي. في 3-5-2، يتحوّل إلى جناح. في 4-4-2، يكون توازنًا بين الدفاع والهجوم. هو اللاعب الذي يصنع الفارق، حتى لو لم يُسجّل.

وهذا النوع من اللاعبين نادر.


🟣 حكيمي والهوية: جذور لا تتغير

في خضمّ احتكاكه بثقافات أوروبية، ظل أشرف حكيمي مغربيًا في كل تفاصيله. يتحدث الدارجة بطلاقة، يحفظ الموروث الشعبي، يعشق الطعام المغربي، ويفتخر بأصله. وحتى في مقابلاته الإعلامية، يصر على قول: "أنا مغربي، ومغربي جدًا."

هذه الهوية القوية لم تكن يومًا وسيلة للتفاخر، بل درعًا نفسيًا يحتمي بها. في لحظات الشك، كان يعود إلى والدته. إلى ذاكرة المطبخ المغربي، إلى أصوات المساجد، إلى رائحة "الحريرة" في رمضان.

قال في مقابلة ذات يوم:
"حين تضيع بين ضوضاء أوروبا، تذكّر من أين أتيت… تجد نفسك من جديد."

لم يكن هذا الانتماء مجرد شعور، بل أفعال. بنى مدارس في مناطق فقيرة بالمغرب، ساهم في تحسين مستشفيات، دعّم رياضيين شبابًا. وشارك في حملات لدعم مرضى السرطان، وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي كل مرة يسجّل هدفًا، يرفع إصبعيه إلى السماء، ثم يرسل قبلة في الهواء… وكأنما يقول: "هذا من أجل كل من آمن بي، وأنا في الحواري الصغيرة."


🔵 الفصل الجديد… وأسئلة المستقبل

رغم أن حكيمي لا يزال شابًا (مواليد 1998)، إلا أن العالم بدأ يتساءل: إلى أين سيصل هذا اللاعب؟ هل ينتقل إلى الدوري الإنجليزي؟ هل يعود لريال مدريد؟ أم أنه سيظل رمزًا لباريس؟

العديد من الأندية تراقبه. مانشستر سيتي يرى فيه الظهير المثالي لغوارديولا. بايرن ميونخ يعتبره الوريث الشرعي لفيليب لام. وحتى فرق عربية وخليجية تحلم بضمّه لاحقًا.

لكن حكيمي يكرر دائمًا:
"أنا لا أركض خلف المال… أركض خلف التحدي."

وإذا حافظ على لياقته، فمن المتوقع أن يلعب في 3 أو 4 مونديالات، ويكسر أرقامًا قياسية غير مسبوقة للاعب عربي أو أفريقي في مركزه.


🟡 الإرث

حين يتقاعد حكيمي، لن يتذكره الناس فقط كـ"لاعب سريع"، أو "نجم عالمي"، بل كرمز لعصر عربي جديد في كرة القدم. عصر أثبت فيه العرب أنهم لا يلعبون فقط، بل يصنعون الفارق، ويصلون إلى أعلى المنصات.

هو واحد من قلة من اللاعبين الذين سيُروى عنهم في كتب التاريخ، وتُسمى الملاعب بأسمائهم، وتُعلّق صورهم على جدران الأطفال الطموحين.


🟢 الخاتمة: حكيمي… الحلم المستمر

إنه حكيمي، اللاعب الذي لم يختر الطريق السهل. الذي لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب، بل في يد والدته ممسحة، وفي يد والده مكنسة. لكنه قرر أن يكون هو من يكتب تاريخه.

ركض في الملاعب الأوروبية، وصنع التاريخ في قطر، وترك بصمة في كل شارع مغربي.

هو ليس مجرد نجم… هو حكاية.
وما زالت تُكتب.

ads2

google-playkhamsatmostaqltradent