recent
أخبار ساخنة

نيمار دا سيلفا جونيور: فتى السامبا الذي راوغ القدر وصعد إلى قمة المجد

 

نيمار دا سيلفا جونيور: فتى السامبا الذي راوغ القدر وصعد إلى قمة المجد



نيمار دا سيلفا جونيور: فتى السامبا الذي راوغ القدر وصعد إلى قمة المجد



في أحد أحياء البرازيل الفقيرة، المليئة بالصخب والفوضى والجمال والعشوائية، وُلد طفل يحمل بين قدميه بذرة عبقرية، وبداخل قلبه شغف لا يُقاس. لم يكن يشبه الأطفال الآخرين. كان يلعب الكرة كما لو أنه وُلد من رحمها. لم يكن ذلك الطفل سوى نيمار دا سيلفا سانتوس جونيور، الذي لم يكن يعرف وقتها أنه سيتحول إلى رمز عالمي، ونجم يسرق أنظار الملايين، ويثير الجدل في كل خطوة يخطوها.

ولد نيمار في الخامس من فبراير عام 1992، في مدينة موجي داس كروزس، بمنطقة ساو باولو البرازيلية. كانت طفولته مغلّفة بالفقر والبساطة، لكن أيضًا محاطة بالحب والدعم من والديه، وخصوصًا والده "نيمار الأب"، الذي كان لاعب كرة قدم شبه محترف، وشجعه منذ البداية على احتضان الكرة كصديق لا كرياضة فقط.

كبر نيمار وسط شوارع مليئة بالغبار، وركلات القدم العشوائية، لكن رغم الظروف، كان لديه شيء خاص. شيء جعله يلفت الأنظار منذ أن كان في الخامسة من عمره. لم تكن مجرد موهبة، بل كان أداءه وكأنه يتبع سيناريو مكتوبًا سلفًا. يراوغ، يضحك، يراوغ مجددًا، ويبتكر في كل حركة، كأنه فنان يرسم بريشة قدميه.

في سن السابعة، انضم إلى أكاديمية محلية صغيرة، وهناك أذهل الجميع بمهاراته. لم يكن ذلك الطفل الصغير يدافع أو يهاجم بشكل تقليدي، بل كان يلعب خارج أي إطار، يشق طريقه الخاص. لاحقًا، تم اكتشافه من قبل كشافة نادي سانتوس، النادي الذي سبق وأنجَب الأسطورة بيليه. وهنا، بدأت القصة الحقيقية.

في أكاديمية سانتوس، بدأت الموهبة في التحول إلى مشروع نجم عالمي. لم يكن نيمار مجرد لاعب شاب، بل ظاهرة كروية مصغّرة. أرقامه كانت مذهلة، مراوغاته أشبه بالسحر، ومهاراته خارجة عن المألوف. كانت الجماهير تأتي خصيصًا لمشاهدة الفتى الأشقر النحيل، الذي يلعب ببراءة طفل ومكر ساحر.

في عام 2009، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة، صعد نيمار إلى الفريق الأول لسانتوس. وفي أول مواسمه، أشعل البرازيل. سجل أهدافًا لا تُصدق، قدّم تمريرات ساحرة، وتحوّل بسرعة إلى نجم الصحف. وفي عام 2010، قاد سانتوس للفوز بكأس البرازيل، ثم في 2011، حقق كأس ليبرتادوريس، البطولة الأهم في قارة أمريكا الجنوبية، بعد غياب سانتوس عنها منذ أيام بيليه.

الصحافة العالمية بدأت تتحدث عن المعجزة البرازيلية الجديدة. الأندية الأوروبية الكبرى بدأت ترسل عيونها. ريال مدريد، برشلونة، مانشستر يونايتد، تشيلسي… جميعهم أرادوا الظاهرة الشابة. لكن نيمار، وبتأثير من والده وناديه، قرر البقاء في البرازيل لفترة أطول. أراد أن ينضج بين أهله، وألا يحترق مبكرًا في أوروبا.

وفي 2012، كان نيمار قد أصبح أكثر من لاعب كرة قدم. كان رمزًا للجيل الجديد، وصوتًا للشباب البرازيلي الذي يرى فيه بطلًا، وفنانًا، ومثالًا للنجاح رغم الفقر. شركات الإعلانات بدأت تتهافت عليه، وأصبح في سن 20 أحد أكثر الرياضيين دخلًا في العالم.

لكن الحلم الأوروبي ظل يراوده. وفي صيف 2013، حانت اللحظة المنتظرة: أعلن نادي برشلونة رسميًا التوقيع مع نيمار مقابل مبلغ تجاوز الـ 80 مليون يورو. الصفقة أثارت جدلًا واسعًا، خصوصًا مع تعقيداتها المالية، لكنها كانت بداية فصل جديد في حياة نيمار.

في برشلونة، وجد نيمار نفسه وسط كوكبة من النجوم، وعلى رأسهم ليونيل ميسي، أفضل لاعب في العالم آنذاك. البداية لم تكن سهلة، إذ تعرض لانتقادات حادة، وتم اتهامه بالمبالغة في المراوغة والتمثيل، لكنه سرعان ما أثبت جدارته.

وفي موسم 2014-2015، انفجرت موهبة نيمار فعليًا، عندما شكّل ثلاثيًا هجوميًا مرعبًا إلى جانب ميسي ولويس سواريز، فيما عُرف بـ MSN. الثلاثي سجّل عددًا هائلًا من الأهداف، وقاد برشلونة للفوز بالثلاثية التاريخية: دوري أبطال أوروبا، الدوري الإسباني، وكأس الملك.

نيمار لم يكن مجرد "تابع" لميسي، بل كان نجمًا مساويًا له في أحيان كثيرة. أهدافه الحاسمة ضد باريس سان جيرمان، بايرن ميونخ، ويوفنتوس، صنعت له مكانًا في قلوب الكتلان. أداؤه في النهائي ضد يوفنتوس كان مبهرًا، وسجّل هدفًا قاتلًا في آخر لحظات المباراة.

لكن مع الوقت، بدأ نيمار يشعر بالظل الكبير الذي يفرضه ميسي. كان يحلم بأن يكون الرقم واحد في العالم، وكان يعلم أن ذلك لن يتحقق طالما هو في نفس الفريق مع "ليو". وهنا بدأت رغبته في الرحيل تتبلور، رغم حب الجماهير له.

وفي صيف 2017، صدم نيمار العالم عندما أعلن انتقاله إلى باريس سان جيرمان مقابل 222 مليون يورو، في أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم. قراره كان مثيرًا للجدل، ومحل سخرية البعض وإعجاب آخرين. لكنه كان مدفوعًا برغبة جامحة في الاستقلال، وإثبات الذات.

في باريس، استُقبل كنجم فوق العادة. ارتدى الرقم 10، وقاد مشروع النادي الطموح للفوز بدوري أبطال أوروبا. في أول مواسمه، قدّم مستويات مذهلة، وسجّل أهدافًا ساحرة، لكنه عانى من إصابات متكررة، حالت دون استمراره بنفس الإيقاع.

رغم ذلك، حقق نيمار عدة بطولات مع باريس، من دوري فرنسي وكأس وسوبر، ووصل معهم إلى نهائي دوري الأبطال عام 2020، لكن الحلم القاري ظل بعيدًا.

في تلك الفترة، بدأت صورة نيمار تتعقد. اتُّهم بالتمثيل، بالغرور، بالإفراط في الاحتفالات. تعرّض لحملات إعلامية شرسة، خصوصًا بعد تكرار إصاباته، وابتعاده عن مستويات التوهج. كما تعرّض لحملات قانونية وشائعات كثيرة أثّرت على مسيرته وصورته العامة.

على الصعيد الدولي، مرّت مسيرة نيمار بمراحل درامية. قاد منتخب البرازيل للفوز بكأس القارات 2013، وكان نجم المنتخب في مونديال 2014 حتى لحظة إصابته الشهيرة في الظهر ضد كولومبيا. الإصابة أبعدته عن نصف النهائي، وخسرت البرازيل أمام ألمانيا بنتيجة تاريخية 7-1. لم يكن نيمار على أرض الملعب، لكنه كان حاضرًا في قلوب البرازيليين.

في أولمبياد ريو 2016، تحوّل نيمار إلى بطل قومي عندما قاد البرازيل للفوز بأول ميدالية ذهبية أولمبية في تاريخها بكرة القدم، وسجّل هدفًا خياليًا ضد ألمانيا في النهائي، قبل أن يسدد ركلة الترجيح الحاسمة ويجهش بالبكاء.

وفي كوبا أمريكا، كان حاضرًا ومؤثرًا، لكنه لم يفز بها كلاعب حتى نسخة 2019 التي غاب عنها بسبب الإصابة. ثم عاد ليقود البرازيل إلى نهائي نسخة 2021، وخسر بصعوبة أمام الأرجنتين وميسي، ليعانق صديقه القديم مهنئًا إياه، في لقطة أثرت في العالم بأسره.

في عام 2023، ومع تراجع مستواه في باريس وزيادة الإصابات، اتخذ نيمار قرارًا مفاجئًا بالانتقال إلى نادي الهلال السعودي، في صفقة ضخمة أثارت دهشة المتابعين. البعض رأى في الخطوة "نهاية مبكرة"، وآخرون رأوا فيها "تغيير مسار ذكي". لكن نيمار كان واضحًا: "أريد تجربة جديدة، وتحديات مختلفة."

رغم الإصابات التي لاحقته في السعودية، ظل نيمار رمزًا عالميًا، وأسطورة تترك بصمتها أينما ذهبت. هو اللاعب الذي أحبّ اللعب أكثر من أي شيء، والذي وضع المتعة قبل الأرقام، والرقص قبل الإحصاءات.

نيمار ليس مجرد لاعب كرة. هو قصة جيل كامل، بدأ من الأحياء الفقيرة، وتجاوز الانتقادات، وسقط ووقف، ومرّ بمجد وانكسار، لكنه بقي دائمًا كما هو: نيمار… الفنان، الراقص، الساحر.

حين يتقاعد، سيبقى حديث الناس، ليس فقط بسبب أهدافه وتمريراته، بل بسبب طاقته، عفويته، وانفعالاته. قد لا يكون الأفضل في التاريخ، لكنه حتمًا من أكثر من جعلوا كرة القدم ممتعة. وفي النهاية، هذا هو جوهر اللعبة.




اليك تفاصيل اكثر عن النجم نيمار في خمسة أجزاء:

🟢 الجزء الأول: البدايات والنشأة الصاخبة

في إحدى زوايا البرازيل الصاخبة، وعلى أطراف مدينة موجي داس كروزس بولاية ساو باولو، وُلد نيمار دا سيلفا سانتوس جونيور يوم 5 فبراير 1992. لم يكن مولده مختلفًا عن آلاف الأطفال الذين يولدون كل يوم في أحياء البرازيل الفقيرة، لكن القدر كان يحضر لشيء آخر.

والده، نيمار الأب، لاعب كرة سابق في الدرجات الدنيا، كان يعرف قيمة الكرة كملاذ للفقراء. ووالدته، نادين، كانت سندًا عاطفيًا صلبًا. عائلة بسيطة، فقيرة، ولكنها مليئة بالحب والإيمان. لم يكن المنزل واسعًا، ولا الطعام كثيرًا، لكن كان هناك شيء واحد وفير: الكرة.

حين كان نيمار صغيرًا، لم تكن كرة القدم مجرد لعبة، بل وسيلة حياة. في الحي الشعبي الذي ترعرع فيه، كانت الأرصفة هي الملاعب، وكان الأطفال يلعبون حفاة، يضحكون رغم الألم، ويتنافسون على كل كرة كما لو أنها الحياة نفسها.

نيمار كان مختلفًا. لم يكن الأكبر أو الأقوى، لكنه كان الأذكى. كان يراوغ بطريقة فطرية، يسقط ثم ينهض ويبتسم، يركض وكأن جسده لا يعرف التعب. كان يحب اللعب أكثر من أي شيء. لم يكن يبحث عن الفوز فقط، بل عن المتعة. كان يلعب ليُدهش، لا ليُسجّل فقط.

في سن السادسة، لاحظه والده، وأصرّ على صقل موهبته. انتقلوا إلى مدينة ساو فيسنتي، وهناك انضم نيمار لأول أكاديمية كروية منظمة. ثم في سن السابعة، انضم إلى أكاديمية بورتوغيزا سانتيستا، وهناك بدأ يظهر شيء استثنائي في طريقته بالتحكم بالكرة، بالتسديد، وحتى بالتمرير.

أداؤه لفت أنظار كشافة نادي سانتوس، وهو نفس النادي الذي أنجب الأسطورة بيليه. وهناك، في سن الحادية عشرة، انضم نيمار إلى أكاديمية سانتوس. ومنذ اللحظة الأولى، كان المدربون يعرفون أنهم يتعاملون مع جوهرة حقيقية.

في عمر الرابعة عشرة، عُرض عليه الانضمام لأكاديمية ريال مدريد، وسافر فعلًا إلى إسبانيا، وخاض اختبارات هناك. أعجب بهم، وأعجبوا به. لكن والده رفض العرض في اللحظة الأخيرة. أراد لابنه أن يكبر في بلده، وأن يبني مجده في وطنه أولًا.

كانت هذه واحدة من أهم القرارات في حياة نيمار. قرار اختار فيه الصبر على الشهرة السريعة، واستثمار الجذور بدل القفز المبكر. وفعلاً، لم يلبث أن أصبح في سنوات قليلة النجم الأول في البرازيل.

في سن 17، صعد نيمار للفريق الأول لسانتوس، وبدأ بكتابة فصل جديد في التاريخ. لعب كجناح أيسر، لكنه كان لاعبًا حرًا بكل معنى الكلمة. يتحرك بين الخطوط، يتلاعب بالمدافعين، يراوغ اثنين وثلاثة وأربعة. كان يشبه راقص السامبا، يبهج الجمهور، ويثير جنون المدافعين.

الصحافة كانت تغطي كل شيء يفعله. الجماهير تتغنّى باسمه. صوره أصبحت تُطبع على القمصان. وحتى في ظل المنافسة الشرسة في الدوري البرازيلي، كان نيمار يضيء الملاعب كما لم يفعل أحد منذ أيام رونالدينيو وروماريو.

لكن نيمار لم يكن يريد أن يكون نجمًا محليًا فقط. كان يرى نفسه في أوروبا، في دوري الأبطال، في الكلاسيكو، في جوائز الفيفا، في صراع العظماء.





🟢 الجزء الثاني: مجد سانتوس… وانطلاقة المجد القاري

حين بلغ نيمار الثامنة عشرة من عمره، لم يعد مجرد لاعب شاب موهوب، بل أصبح نجمًا تتابعه الصحافة العالمية. كانت الجماهير تتوافد فقط لرؤيته يلمس الكرة، والمدافعون يهابون مواجهته. لم يكن لاعبًا يركض فحسب، بل كان يراوغ كأنه يحكي قصة، ويمرّر كما لو أنه يكتب شعرًا.

في عام 2010، قاد نيمار فريق سانتوس إلى الفوز بكأس البرازيل. سجّل أهدافًا رائعة، ولفت الأنظار بأسلوبه البهيج، وشعره الكثيف، وطريقته الفريدة في الاحتفال. في نفس العام، فاز بجائزة أفضل لاعب شاب في البرازيل. كانت لحظة إعلان ولادة نجم عالمي.

وفي عام 2011، بدأ الحلم الحقيقي. قاد سانتوس إلى لقب كوبا ليبرتادوريس، وهي أعرق بطولة في قارة أمريكا الجنوبية، مكافئة لدوري أبطال أوروبا. لم يفز بها سانتوس منذ أيام بيليه في الستينات، والآن، جاء نيمار ليعيد المجد بعد نصف قرن.

في النهائي أمام بينارول الأوروغوياني، تألق نيمار وسجّل هدفًا حاسمًا، وصنع آخر، وأعلن للعالم أنه نجمٌ لا يمكن تجاهله. لقطة رفع الكأس وهو يبتسم ببراءة طفل وانتصار ملك، أصبحت رمزًا لجيله، وأعادت البرازيل إلى منصات القارة من جديد.

في نفس العام، فاز بجائزة أفضل لاعب في أمريكا الجنوبية، متفوقًا على أسماء كبرى، رغم صغر سنه. الصحافة الأوروبية لم تعد تكتب عنه كـ"موهبة"، بل كنجم جاهز للانتقال إلى الكبار. وبدأت صراعات شرسة بين كبار القارة العجوز من أجل ضمه.

ريال مدريد عرض عشرات الملايين، وبرشلونة أرسل وفدًا من كبار المسؤولين، وتشيلسي حاول التسلل من الباب الخلفي. لكن نيمار ووالده قررا التأني، ورفضوا كل العروض، وأصروا على أن النضج أولًا، والانتقال لاحقًا.

رغم العروض المغرية، بقي نيمار في سانتوس حتى عام 2013. خلال هذه الفترة، أحرز مزيدًا من البطولات المحلية، وسجّل أهدافًا لا تُحصى. لكنه لم يكن يقدّم المتعة فقط، بل كان يتحول إلى شخصية مؤثرة، إلى رمز اجتماعي، إلى صوت لجيل البرازيل الجديد.

في هذه المرحلة، بدأت الإعلانات تتهافت عليه. وقّع عقودًا مع شركات عالمية: بيبسي، نايكي، جيلّيت، وحتى الخطوط الجوية. أصبح من بين أعلى الرياضيين أجرًا في العالم، قبل أن يلعب دقيقة واحدة في أوروبا. لم يكن أحد في جيله يحظى بمثل هذا التأثير الإعلامي.

ثم جاءت اللحظة الكبرى…

في يونيو 2013، أعلن نادي برشلونة التوقيع مع نيمار، في صفقة وصلت قيمتها إلى أكثر من 80 مليون يورو. كانت ضجة إعلامية هائلة. برشلونة انتصر على ريال مدريد في معركة نيمار، والجماهير لم تكن تعرف إن كان سيكون النجم الذي يُكمل ميسي، أم يخطف منه الأضواء.

وصل نيمار إلى كتالونيا، شابًا في عمر الحادية والعشرين، يحمل على عاتقه حلم الملايين، ويبدأ الفصل الأصعب في حياته: من نجم محلي إلى عالمي… من السامبا إلى التيكي تاكا.





🟢 الجزء الثالث: ثلاثي النار – ميسي، سواريز، ونيمار

عندما وطأت قدم نيمار ملعب الكامب نو، لم يكن مجرد انتقال رياضي، بل كان حدثًا عالميًا. برشلونة في تلك اللحظة كان يعيش ذروة جيله الذهبي، وفي قلبه ليونيل ميسي، أعظم من لمس الكرة في نظر الكثيرين. السؤال كان: هل يستطيع نيمار التأقلم؟ هل سيكون تابعًا؟ أم منافسًا؟

في أولى مواسمه مع برشلونة (2013-2014)، أظهر نيمار لمحات من سحره، لكنه لم يصل بعد إلى مستوى الانفجار. سجّل أهدافًا حاسمة، منها هدف في مرمى ريال مدريد في الكلاسيكو، وأهداف في دوري الأبطال، لكنه كان يتعلم، يراقب، ويتأقلم مع فلسفة الفريق.

ثم جاء موسم 2014-2015، الموسم الذي غيّر كل شيء. تعاقد برشلونة مع الأورغواياني لويس سواريز، وتشكل ثلاثي هجومي لم يعرف التاريخ مثله من قبل: ميسي، سواريز، ونيمار… الثلاثي المرعب الذي سُمي بـ"MSN".

منذ اللحظة الأولى، كانت الكيمياء بين الثلاثة لا تُصدق. لا وجود للأنانية، لا صراعات على النجومية، فقط كرة قدم خالصة. ميسي، المعلم الصامت؛ سواريز، الوحش المفترس؛ ونيمار، الفنان المجنون. كل واحد منهم مختلف، وكلهم كانوا يكملون بعضهم البعض.

ذلك الموسم، حطم برشلونة كل شيء. فازوا بالدوري الإسباني، والكأس، ودوري أبطال أوروبا، في ثلاثية تاريخية جديدة. سجل الثلاثي أكثر من 120 هدفًا، وكان نيمار في قلب كل انتصار، ليس تابعًا لميسي، بل شريكًا في المجد.

في نهائي دوري الأبطال ضد يوفنتوس، سجل نيمار هدفًا قاتلًا، احتفل بطريقة لا تُنسى، وصرخ في وجه المشككين. لم يعد "الفتى البرازيلي"، بل صار "نجمًا عالميًا مكتملًا".

في تلك الفترة، كان نيمار في قمة مستواه: سريع، قاتل، مبتكر، لا يمكن إيقافه. كانت تمريراته خلف المدافعين ساحرة، ومراوغاته تثير الجنون، وكراته الثابتة تشبه طلقات الشعراء. الجماهير أحبّته، وبدأت تتساءل: هل هو خليفة ميسي؟ هل يكون نيمار الرقم 1 في المستقبل؟

لكن في ظل هذا المجد، كانت تراوده مشاعر مختلطة. نيمار كان طموحًا، وكان يريد الكرة الذهبية. وكان يعلم، في قرارة نفسه، أن وجوده بجانب ميسي يجعله دائمًا في الظل. حتى حين يتألق، كانت الأنظار تعود دائمًا إلى ليو.

بدأت الشائعات. الإعلام يهمس: "نيمار يريد الرحيل"، "نيمار لا يريد البقاء في ظل ميسي"، "باريس يريده ليكون القائد". في البداية، أنكر هو، ثم سكت، ثم بدأت الدائرة تضيق.

في صيف 2017، انفجرت القنبلة. نيمار قرر الرحيل عن برشلونة، وانتقل إلى نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في صفقة هي الأغلى في تاريخ كرة القدم: 222 مليون يورو دفعتها الإدارة القطرية لفسخ عقده. العالم كله صُدم. الكتلان بَكوا، والمحللون انقسموا، ونيمار… اختار المغامرة.

قال في تصريحات لاحقة:
"كنت بحاجة للخروج من ظل ميسي… أردت أن أكون القائد، أن أبدأ مشروعًا جديدًا. لم يكن القرار سهلاً، لكنه كان ضروريًا لنفسي."





🟢 الجزء الرابع: باريس – المجد... والإصابات والجدل

انتقال نيمار إلى باريس سان جيرمان لم يكن مجرد صفقة ضخمة، بل كان زلزالًا في عالم كرة القدم. لم يسبق أن دُفع هذا المبلغ في لاعب واحد. الصحافة كانت تتحدث عن بداية عصر جديد، والإعلام الفرنسي استعد لاستقبال النجم العالمي الأكبر في تاريخ الدوري الفرنسي.

في باريس، كان كل شيء جاهزًا له: الرقم 10، القيادة الفنية، المشروع الرياضي، وكل الأضواء عليه وحده. لم يكن عليه تقاسم المجد مع أحد، بل أن يكون هو المجد نفسه. والجماهير الباريسية كانت تراه "المخلّص" الذي سيقود الفريق أخيرًا للفوز بدوري أبطال أوروبا.

في أول موسم له، 2017-2018، قدّم نيمار أداءً خارقًا: سجل أهدافًا رائعة، صنع تمريرات ساحرة، وسحر الجماهير الفرنسية بلمسته البرازيلية. لكن للأسف، بدأ شبح الإصابات يُطل من بعيد. في فبراير 2018، تعرض لإصابة خطيرة في مشط القدم، أبعدته عن الملاعب لأشهر، وغاب بسببها عن أهم لحظة في الموسم: دور الـ16 ضد ريال مدريد في دوري الأبطال، حيث خرج باريس مبكرًا.

الإصابة أثرت نفسيًا على نيمار. رغم محاولاته في العودة، كانت الصحافة الفرنسية تنتقده: "هل يهتم بالحفلات أكثر من التدريبات؟"، "هل يستحق هذا المبلغ؟"، "هل نيمار نجم أم تمثيلية؟". والاتهامات لم تكن فقط بسبب الأداء، بل بسبب حياته الخاصة.

احتفالاته الصاخبة، خاصة في عيد ميلاده الذي أصبح حدثًا سنويًا مثيرًا للجدل، جعلت البعض يتهمه بعدم الجدية. بينما كان هو يرد:
"أنا ألعب لأكون سعيدًا. هل المطلوب أن أكون آلة؟"

رغم ذلك، واصل التألق حين يكون في الميدان. وفي موسم 2019-2020، قاد باريس سان جيرمان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، بعد أداء مبهر أمام أتالانتا ولايبزيغ. في النهائي، واجه بايرن ميونخ، وكان قريبًا من الحلم، لكن هدف كومان حرمهم اللقب، وانهمرت دموع نيمار بعد صافرة النهاية.

كانت تلك واحدة من أكثر لحظات مسيرته صدقًا. نيمار الذي حلم طوال حياته باللقب الأوروبي كان يبكي كطفل فقد شيئًا لا يُعوّض. المشهد لامس الملايين، وأثبت أن اللاعب الذي يتهمونه بالتمثيل والتهريج، هو في داخله عاشق حقيقي للعبة.

لكن المشاكل لم تتوقف. تكررت الإصابات في كل موسم تقريبًا، وغاب عن لحظات حاسمة: أمام مانشستر يونايتد، بايرن، ريال مدريد. حتى جماهير باريس بدأت تفقد صبرها. في بعض المباريات، هتفوا ضده، رفعوا لافتات تطالبه بالرحيل، وأصبح اسمه محل انقسام كبير في فرنسا.

ورغم عودته القوية في بعض الفترات، إلا أن علاقة نيمار مع باريس لم تعد كما كانت. بدا وكأنه غريب داخل ناديه. الإعلام يهاجمه، بعض زملائه يبتعدون عنه، والإدارة تتحدث عن مشروع جديد دون ذكر اسمه.

وفي صيف 2023، وبعد أن جلب باريس نجومًا جددًا، من بينهم ميسي نفسه، بدأ الحديث عن رحيله يعود بقوة. وفي خطوة مفاجئة، أعلن نادي الهلال السعودي تعاقده مع نيمار، في صفقة ضخمة، ليبدأ فصلًا جديدًا… في الشرق الأوسط.





🟢 الجزء الخامس: البرازيل، الذهب، السقوط... وما بعد المجد

أن تكون نجمًا في البرازيل ليس كأي مكان آخر. في بلد أنجبت بيليه، زيكو، روماريو، رونالدو، رونالدينيو، وكاكا، فإن ارتداء القميص الأصفر ليس مجرد فخر، بل مسؤولية ثقيلة، وأحيانًا لعنة. ونيمار كان يعرف هذا جيدًا منذ أول مرة استُدعي فيها إلى المنتخب الوطني.

في عام 2010، وخلال فترة تألقه مع سانتوس، طالب الإعلام البرازيلي باستدعائه إلى كأس العالم، لكن المدرب دونغا استبعده، واعتُبرت تلك واحدة من أكبر أخطاء البطولة. بعد أشهر فقط، تم استدعاؤه رسميًا، وفي أول مباراة دولية له، سجّل هدفًا برأسه، واحتفل بتلك الابتسامة الواسعة التي سترافقه طوال مسيرته.

نيمار أصبح نجم المنتخب الأول بسرعة. في كوبا أمريكا 2011، برز رغم خروج البرازيل المبكر، لكنه عاد ليتألق بقوة في كأس القارات 2013، حيث لعب البطولة في بلده، وسحر الجميع بأهدافه ومراوغاته، خاصة هدفه ضد إيطاليا وصاروخيته ضد إسبانيا في النهائي. قاد البرازيل للقب، وحصل على جائزة أفضل لاعب، وأثبت أنه مستعد لقيادة السامبا في المونديال القادم.

ثم جاء كأس العالم 2014… البطولة التي كان يُنتظر منها أن تكون لحظة تتويج نيمار بالعرش العالمي. كانت كل العيون عليه، وكل القلوب معه. سجّل أهدافًا حاسمة، أبرزها ثنائيته في مرمى كرواتيا، ثم هدف ضد الكاميرون، وصعد بالبرازيل إلى ربع النهائي.

لكن أمام كولومبيا، سقط نيمار مصابًا. تدخل عنيف من زونيغا حطّم فقرة في ظهره. خرج نيمار محمولًا على نقالة، والدموع تنهمر من عينيه، والجمهور في حالة ذهول. الإصابة لم تكن فقط جسدية، بل كسرت حلمًا جماعيًا. وفي نصف النهائي، بدون نيمار، تعرضت البرازيل لأقسى هزيمة في تاريخها: 7-1 أمام ألمانيا. وكان غيابه رمزًا لما خسرته البرازيل.

تعافى نيمار، لكن شيئًا ما تغير. لم يكن الأمر جسديًا، بل نفسيًا. عرف منذ تلك اللحظة أن المجد ليس مضمونًا، وأن كرة القدم أحيانًا تكون قاسية بلا رحمة.

ثم جاء أولمبياد ريو 2016. البرازيل لم يسبق لها الفوز بالذهب الأولمبي. الجماهير كانت عطشى لأي لقب، ونيمار كان القائد. بعد بداية صعبة، صعد الفريق إلى النهائي ضد ألمانيا. التعادل استمر، ثم ركلات الترجيح. نيمار سجّل الركلة الأخيرة، وسقط على ركبتيه باكيًا. كانت تلك واحدة من أعظم لحظاته، لحظة إنسانية خالدة، نقيّة كما لم يُرَ من قبل.

في كوبا أمريكا 2019، غاب بسبب الإصابة، وحققت البرازيل اللقب بدونه، ليبدأ الإعلام في مهاجمته مجددًا: "هل نحن أفضل بدونه؟" لكن في نسخة 2021، عاد وقاد الفريق إلى النهائي، وأبدع أمام كل من واجهوه، قبل أن يخسر اللقب أمام ميسي والأرجنتين في النهائي على أرض ملعب ماراكانا.

اللقطة المؤثرة كانت بعد المباراة، حين ركض ميسي نحوه، وعانقه بشدة. كانا قد افترقا من برشلونة، لكن الصداقة ظلت أقوى من النتيجة. نيمار بكى، ليس فقط للخسارة، بل لأن اللقب انزلق من بين أصابعه مجددًا.

ومع كل إصابة، مع كل إخفاق، بدأت الضغوط تتراكم. البعض رأى فيه نجمًا غير محظوظ، والبعض الآخر اتهمه بالتهريج والتمثيل. لكن وسط كل هذه الآراء، لم يتوقف نيمار عن تقديم المتعة. لم يلعب أبدًا ليُرضي النقّاد، بل ليُمتع نفسه والجمهور.

ثم جاءت محطة الهلال السعودي عام 2023. خطوة فاجأت الكثيرين، لكنها جاءت بعد سنوات من الإصابات والضغط في أوروبا. أراد الابتعاد، الهدوء، وربما أيضًا الأموال. لكن حتى في السعودية، لم يسلم من الإصابات. وفي أكتوبر من نفس العام، تعرّض لتمزق في الرباط الصليبي أثناء مشاركته مع البرازيل، ما استدعى غيابه عن الملاعب لما يزيد عن عام.

في لحظة إعلان إصابته، كتب نيمار:
"أشعر أنني محطم. لا أعلم ماذا أفعل سوى الإيمان بالله. سأعود... كما فعلت دائمًا."

كلمات قليلة، لكنها تختصر رحلته.


🟡 الختام: نيمار كما لم يُروَ من قبل

نيمار هو اللاعب الذي أحب الكرة أكثر من الألقاب، والذي عاش على إيقاع المراوغة، وعانى من المبالغة في التوقعات. هو اللاعب الذي عاش المجد، والسقوط، والنقد، والحب، والدموع، والفرح، والخوف، في مسيرة واحدة.

هو الفنان الذي يُفضّل التمريرة الخارقة على التمريرة العادية، الذي لا يقبل لعب مباراة دون أن يترك فيها بصمته، حتى لو كانت رقصة، أو حركة فنية صغيرة.

هل هو أفضل من ميسي؟ من كريستيانو؟ ربما لا. لكن نيمار لا يحتاج لأن يكون "الأفضل". لأنه بكل بساطة... فريد.


ads2

google-playkhamsatmostaqltradent