ياسين بونو: من شوارع الدار البيضاء إلى قمة المجد العالمي
الطفولة والبدايات الأولى
ياسين بونو وُلد يوم 5 أبريل 1991 في مدينة مونتريال الكندية، لكن أصوله مغربية خالصة تنحدر من مدينة الدار البيضاء. ورغم أن مولده كان في كندا بحكم عمل والده هناك في فترة قصيرة، فإن عائلته قررت العودة إلى المغرب عندما كان لا يزال طفلًا صغيرًا لم يتجاوز الثالثة من عمره. هذا القرار جعل ياسين يكبر في شوارع الدار البيضاء، وسط أجواء مغربية أصيلة، حيث الموهبة تُولد في الأزقة ويُصقل الحلم بين ملاعب الأحياء.
نشأ بونو في أسرة متوسطة، والده كان محبًا للرياضة ومواظبًا على متابعة مباريات كرة القدم، الأمر الذي ترك أثرًا عميقًا في شخصية الابن الصغير. كان ياسين يميل في بداياته إلى لعب كرة القدم كمهاجم، شأنه شأن باقي الأطفال، إذ كان يحلم بتسجيل الأهداف مثل نجوم الهجوم في تلك الفترة. لكن سرعان ما اكتشف الجميع أن طوله الفارع ومرونته الجسدية وقدرته على رد الفعل السريع تؤهله لأن يكون حارس مرمى استثنائيًا.
في أحياء المدينة القديمة للدار البيضاء، كان ياسين يركض وراء الكرة ويقف حارسًا في مباريات الأصدقاء. ومن هناك بدأت الموهبة تلمع. مع مرور الوقت، صارت عائلته تلاحظ أنه يمتلك خصائص غير عادية لحراسة المرمى: شجاعة، يقظة، وهدوء تحت الضغط، وهي صفات نادرة بالنسبة لطفل صغير. لم يكن يخشى الكرة، بل كان ينقض عليها بكل قوة، حتى لو كان في مواجهة لاعبين أكبر منه سنًا وحجمًا.
الالتحاق بأكاديمية الوداد الرياضي
حين بلغ بونو سن الثامنة، قررت عائلته تسجيله في مدرسة كرة القدم التابعة لفريق الوداد الرياضي البيضاوي، أحد أكبر الأندية في المغرب وإفريقيا. هناك، وجد نفسه في بيئة أكثر احترافية، حيث التداريب المنظمة، المدربون المتخصصون، والمنافسة الشرسة بين الأطفال.
في الوداد، بدأ ياسين بونو مساره الفعلي كحارس مرمى. مع مرور السنوات، برز اسمه كواحد من أفضل الحراس الواعدين في الفئات العمرية للنادي. طوله الذي تجاوز 1.90 متر في سن مبكرة كان نقطة قوة كبيرة، إضافة إلى شخصيته الهادئة وحسن تمركزه. سرعان ما بدأ المدربون يتنبأون له بمستقبل كبير، خصوصًا وأنه كان يملك مزيجًا بين الهدوء الذهني والقدرة البدنية على إنقاذ كرات مستحيلة.
مع فريق الشباب للوداد، تألق بونو بشكل لافت، وكان عنصرًا أساسيًا في جميع الفئات السنية التي لعب فيها. وكان الحلم الأكبر بالنسبة له أن يحرس مرمى الفريق الأول للوداد أمام آلاف الجماهير في ملعب محمد الخامس.
البداية مع الفريق الأول للوداد
في موسم 2010-2011، قرر مدرب الوداد في تلك الفترة تصعيد ياسين بونو للفريق الأول، بعد أن أثبت جدارته في فئة الأمل. وبالفعل، وجد نفسه في قائمة حراس المرمى إلى جانب أسماء مخضرمة. كانت التجربة صعبة في البداية، لكن بونو أظهر شخصية قوية ولم يخف من الضغط.
شارك لأول مرة مع الفريق الأول وهو لم يتجاوز العشرين عامًا، وقدم مردودًا جيدًا جعل الجماهير تبدأ في التعرف على هذا الحارس الشاب. الأهم من ذلك أن بونو ساهم مع الوداد في الوصول إلى نهائي دوري أبطال إفريقيا سنة 2011، وهو إنجاز كبير للفريق. صحيح أن الوداد خسر النهائي أمام الترجي التونسي، لكن بونو خرج من تلك التجربة أكثر نضجًا واكتسب خبرة لا تُقدّر بثمن.
هذه الفترة شكلت له جسر عبور نحو الاحتراف الأوروبي، حيث بدأت أعين الكشافين تتابعه عن قرب، خصوصًا أنه يجمع بين الطول الفارع، المرونة العالية، والشخصية القوية.
الرحلة إلى أوروبا والانتقال إلى أتلتيكو مدريد
في صيف 2012، جاء العرض الكبير الذي غير مسار حياته. نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، بقيادة المدرب دييغو سيميوني آنذاك، قرر التعاقد مع الحارس المغربي الشاب. كان عمر بونو حينها 21 عامًا فقط، والانتقال إلى نادٍ كبير ينافس في الدوري الإسباني ويشارك في دوري الأبطال كان خطوة عملاقة.
في البداية، تم ضمه إلى الفريق الرديف لأتلتيكو مدريد لاكتساب الخبرة والتأقلم مع أجواء كرة القدم الأوروبية. التداريب كانت قوية، والمنافسة شديدة، لكن بونو قبل التحدي بكل شجاعة. كان يُدرك أن الوصول إلى القمة يحتاج إلى صبر طويل وعمل يومي متواصل.
مع الفريق الرديف، لعب بونو عدة مباريات وتألق، حتى أنه حصل على فرصة للجلوس في دكة بدلاء الفريق الأول في بعض مباريات الدوري الإسباني. ورغم أنه لم يحظ بفرصة اللعب أساسياً مع أتلتيكو مدريد، فإن التجربة منحته الكثير من النضج وأدخلته في أجواء كرة القدم العالمية.
مرحلة الإعارة إلى ريال سرقسطة
في موسم 2014-2015، تمت إعارة بونو إلى فريق ريال سرقسطة الذي كان ينشط في الدرجة الثانية الإسبانية. هذه التجربة كانت حاسمة في مسيرته، حيث حصل أخيرًا على فرصة للعب مباريات رسمية بشكل منتظم.
مع سرقسطة، لعب بونو دورًا أساسيًا في قيادة الفريق نحو المنافسة على الصعود إلى الليغا. رغم أن الفريق لم ينجح في النهاية، فإن الحارس المغربي أثبت أنه واحد من أبرز الحراس في الدرجة الثانية الإسبانية. تصدياته الحاسمة جعلت الجماهير تُعجب به وتلقبه بـ"الأسد المغربي".
التألق مع جيرونا والصعود إلى الليغا
بعد تجربة سرقسطة، انتقل بونو إلى نادي جيرونا سنة 2016، وهناك عاش إحدى أهم محطات مسيرته. في أول مواسمه مع الفريق، ساهم بشكل كبير في صعود جيرونا لأول مرة في تاريخه إلى الدوري الإسباني الممتاز. كان ذلك حدثًا تاريخيًا للفريق وللاعب أيضًا، إذ أصبح أحد أبرز الحراس في إسبانيا.
في مباريات الليغا مع جيرونا، واجه بونو عمالقة مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، وأثبت أنه قادر على مجاراة الأفضل في العالم. تصدياته أمام برشلونة وريال مدريد جعلت الصحافة الإسبانية تشيد به كثيرًا. لقد أظهر شخصية قوية وثقة كبيرة، الأمر الذي جعله محط أنظار أندية أخرى.
الانتقال إلى إشبيلية وصناعة المجد الأوروبي
في صيف 2019، انتقل ياسين بونو إلى نادي إشبيلية على سبيل الإعارة أولًا، قبل أن يوقع عقدًا نهائيًا بعد موسم واحد فقط. هذه الخطوة شكلت نقطة التحول الأكبر في مسيرته. مع إشبيلية، وجد بونو البيئة المثالية للتألق، حيث الثقة من المدربين والدعم من الجماهير.
في موسم 2019-2020، كان بونو بطلًا حقيقيًا في بطولة الدوري الأوروبي، حيث قاد إشبيلية للتتويج باللقب بعد سلسلة من المباريات التاريخية. في نصف النهائي أمام مانشستر يونايتد، قام بتصديات أسطورية حاسمة، ثم واصل تألقه في النهائي أمام إنتر ميلان. الجماهير والإعلام أطلقوا عليه لقب "الأسد المغربي" و"ملك التصديات المستحيلة".
ومنذ ذلك الموسم، أصبح بونو الحارس الأول لإشبيلية دون منازع. قدم مواسم رائعة في الليغا ودوري الأبطال، حتى أنه حصد جائزة زامورا كأفضل حارس مرمى في الدوري الإسباني موسم 2021-2022، ليصبح أول حارس عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز التاريخي.
بونو مع المنتخب المغربي
قصة بونو مع المنتخب المغربي مليئة بالإصرار والتحديات. شارك لأول مرة مع "أسود الأطلس" في عام 2013، لكنه ظل لفترة طويلة حارسًا احتياطيًا خلف أسماء أخرى مثل منير المحمدي. ومع مرور الوقت، أثبت جدارته ليصبح الحارس الأول للمنتخب.
ذروة تألقه كانت في كأس العالم 2022 بقطر، حيث لعب دورًا بطوليًا في قيادة المغرب إلى المربع الذهبي كأول منتخب إفريقي وعربي يحقق هذا الإنجاز التاريخي. في مباراة إسبانيا بدور الـ16، كان بونو بطلًا قوميًا، إذ تصدى لركلتي ترجيح وقاد المغرب للفوز والتأهل إلى ربع النهائي. ثم واصل تألقه أمام البرتغال في مباراة تاريخية، قبل أن يخرج بشرف من نصف النهائي أمام فرنسا.
أداء بونو في المونديال جعله واحدًا من أفضل الحراس في العالم، ونال جائزة أفضل لاعب في المباراة مرتين. كما تم اختياره ضمن قائمة المرشحين لجائزة أفضل حارس في العالم لعام 2022.
شخصيته وأسلوبه في اللعب
يتميز ياسين بونو بشخصية هادئة وذكية. لا يتوتر تحت الضغط، بل يظل مركزًا حتى في أصعب اللحظات. أسلوبه يعتمد على قراءة الخصم بشكل جيد، إضافة إلى ردود فعل سريعة وقدرة هائلة على التوقع. ما يميز بونو أيضًا هو قدرته على المساهمة في بناء اللعب من الخلف، حيث يجيد التمرير واستخدام قدميه.
خارج الملعب، يُعرف بونو بتواضعه الكبير وروح الدعابة التي يتمتع بها. هو محبوب من زملائه وجماهيره على حد سواء، إذ يجمع بين الاحترافية العالية والقرب الإنساني من الناس.
إنجازاته الفردية والجماعية
-
بطل دوري أبطال إفريقيا مع الوداد (2011 – وصيف).
-
بطل الدوري الأوروبي مع إشبيلية (2020 و2023).
-
جائزة زامورا كأفضل حارس في الليغا (2022).
-
أفضل حارس إفريقي لعام 2022.
-
أفضل لاعب في مباريات كأس العالم 2022 مرتين.
-
قيادة المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم 2022.
الحياة الشخصية لياسين بونو
بعيدًا عن الأضواء، يعيش ياسين حياة هادئة رفقة عائلته. هو متزوج وأب لطفل، وغالبًا ما يعبر عن تعلقه الكبير بأسرته وحبه للمغرب. رغم الشهرة العالمية التي نالها، ظل مرتبطًا بجذوره وبقيم التواضع والعمل الجاد.
إرث ياسين بونو وتأثيره
اليوم، يُعتبر بونو أحد رموز كرة القدم المغربية والعربية. قصته من شوارع الدار البيضاء إلى ملاعب أوروبا والمونديال تلهم الآلاف من الأطفال. لقد أثبت أن العمل الجاد والإصرار يمكن أن يقود أي شاب لتحقيق المستحيل.
بونو ليس مجرد حارس مرمى، بل أصبح رمزًا للأمل والطموح، وصوتًا يرفع راية المغرب عاليًا في المحافل العالمية.